الرئيسة \  واحة اللقاء  \  منبج تنتفض على ديمقراطية قسد 

منبج تنتفض على ديمقراطية قسد 

19.06.2021
يونس العيسى


القدس العربي 
الخميس 17/6/2021 
تتسارع التطورات الميدانية في سوريا، وتتسارع معها التطورات السياسية، من دون أن يعني ذلك حدوث تغييرات جذرية في المقاربات الدولية والإقليمية لسبل حل يرضي جميع مكونات الشعب السوري المتطلع لنيل حريته. 
وتكاد تختزل مدينة منبج الحاضرة النائمة على الضفة الغربية لنهر الفرات هذا التداخل الإقليمي والدولي على الساحة السورية. 
كان مرتقبا أن تغير خريطة الطريق الأمريكية ــ التركية التي تم الاتفاق عليها في 2018، الأوضاع في منبج وتنحو منحى أكثر وضوحا على مستقبل هذه المدينة، ولكن على ما يبدو لم تحدد خريطة الطريق مستقبل هذه المدينة، ذلك أن الصراع على منبج يبدو أنه أكبر من تلك التفاهمات، ورحل ترامب وجاء بايدن ومازالت الولايات المتحدة تعمل على مسك العصا من الوسط بين حليفها في حلف الناتو تركيا، وقوات قسد حليفها في محاربة تنظيم الدولة. 
حل نهائي وشامل 
مطامع روسيا ونظام الأسد الذي يحيط بالمدينة من الجهة الجنوبية في منبج ليست خافية والذي ازداد في الآونة الأخيرة وخاصة بعد فتح الطريق الدولي M4، ولذا فإن منبج أحوج ما تكون إلى حل نهائي وشامل يفك كل الخلافات والعقد الدفينة، والحاجة الأكبر أن تكون هناك حالة من المكاشفة بين كل الأطراف اللاعبة في مدينة منبج، لأن تعليق كل نقاط الخلاف أو ترحيلها إلى أجل غير مسمى هو بمثابة تضخيم للقنبلة في المستقبل، والتي أشعلت شرارتها حملة التجنيد التي تنفذها قوات قسد التي تحتل المدينة منذ عام 2016، انتفاضة تخللها إضراب عام وتظاهرات قتل فيها عدد من المدنيين وأصيب آخرون. 
وبدأت قسد منذ أيام حملة لتجنيد الشبان من مواليد 1990 وحتى 2003، في سياق ما تسمّيه “واجب الدفاع الذاتي”، عبر ملاحقة الشبان واعتقالهم، وأثارت خطوات قسد استياء الأهالي، الذين باشروا إضرابا عاما في المدينة ومظاهرات سلمية واجهته قوات قسد بالرصاص وفرضت حظر تجوال شامل في المدينة. 
خرج أهل منبج من القمقم، وتدحرجت كرة الثلج وكبرت، والثابت أن لا تغيير في ذهنيات قوات قسد لجهة اللجوء إلى العنف والقوة في مواجهة أي شيء قد يؤثر على فسادهم ونهبهم، أو يؤثر على مشروعهم الانفصالي داخل سوريا. 
لقد أثبتت الوقائع أن احتلال قوات قسد لمدينة منبج والتي ترفع شعار نشر الديمقراطية قد أسس ديمقراطيات بمقاييس خاصة تخدم أهدافه، وذريعة للحجر على الشعب وفرض الوصاية على إرادته وتحويل الديمقراطية إلى وسيلة لتحقيق المصالح الفئوية والعرقية والعشائرية باسم الديمقراطية، وبالتالي فقد تسببت هذه الديمقراطية فى ضرب نسيج البلد الواحد وليس من الشاق على المحتل أن يجد سبيلا للتقسيم باسم التعددية والتنوع كلما وجدوا أرضا لهذا الزرع الخبيث، لأن الديمقراطية هي قبل كل شيء بناء فكري وثقافة راسخة تمثل الحرية جذرها والمواطنة سُقياها وحصادها تنمية وأمن واستقرار فضلا عن كونها مفهوما خاضعا للتنافس والمعارضة. 
جدار من الكراهية 
الشعارات التي ترفعها قوات قسد غالبا ما تقود إلى تدمير ذاتها، بحيث يتم إسقاط الشعار ذاته، وبناء جدار من الكراهية ضده، وتتحول هذه الشعارات إلى معاول هدم، وأدوات تخريب للأمم والشعوب وتصبح في ذاتها محرقة للقدرات والمقدرات، وللبشر والحجر، وبذلك تصبح كارثة ودمارا، وتتحول إلى وسيلة للمحاربة، وهذه الشعارات التي رفعتها قوات قسد ليس العيب في ذاتها، ولكن العيب فيمَن أطلقه وهو أداة بيد صانعه وداعمه، واستخدمه لغير أغراضه، واختفى خلفه لممارسة كل أنواع الجرائم، ونهب موارد البلاد وتدمير بنيانها. 
تحول شعارات قوات قسد إلى تعويذة، وعقيدة تظهر مصاحبة لوجودهم أكثر من أي شعار آخر، فتوضع على البنادق والمدافع، وعلى السيارات العسكرية، وعلى نقاط التفتيش والحواجز، ولو تأملنا العلاقة بين نصوص شعارات قوات قسد وقيمها ومعانيها التي تحملها، والممارسات الواقعية التي تفرضها على سكان مدينة منبج، سنجد أنه بعيدا عن كلمات “الديمقراطية وأخوة الشعوب والعيش المشترك” سنجد أن قسد قوات محتلة تختبئ خلف شعارات براقة وفي الواقع تمارس ظلما وقهرا على سكان المناطق التي تحتلها شمال وشرق وسوريا والشعارات التي ترفعها للخديعة والتضليل، فقوات قسد استخدمت السلاح لإخضاع جميع أهل منبج، ولم تأتِ بصندوق اقتراع، ولا بحركة تغيير اجتماعي، بل هي ميليشيا مسلحة مدعومة من قبل التحالف الدولي الذي تتزعمه أمريكا واحتلت منبج وأخضعت سكانها بالقوة رغما عنهم. 
ميليشيا قسد انتهجت منذ احتلالها لمدينة منبج وغيرها من المناطق التي تحتلها شمال وشرق سوريا أساليب وطرق تنظيم الدولة الإرهابي، سواء في توظيف الإيديولوجيا والمعتقدات والشعارات لاستقطاب الأنصار والمقاتلين، وكذلك في طرق نهب الأموال والسطو على الممتلكات العامة، أم في طرق الانتشار وخوض الحروب بالوكالة واستخدام سياسة التفجير والتهجير. 
وفي الوقت الذي تنهج ميليشيات قسد الخطوات نفسها التي ابتكرها تنظيم الدولة، حرصت ميليشيات قسد على أن تتمايز عنه بالأسم والاختباء وراء شعارات الديمقراطية الزائفة، ففي حين أطلق تنظيم الدولة على نفسه وصف ” دولة الخلافة” حرصت قسد على أن تطلق على نفسها وصف “أخوة الشعوب” بشكل مباشر. 
وتسعى الميليشيات على اختلاف إيديولوجياتها 
إلى تحقيق الهدف نفسه، ففي حين يهدف تنظيم الدولة إلى إقامة ما يسمّى بـ”دولة الخلافة”، ويهدف تنظيم قسد إلى إقامة ما يسمى بـ “الإدارة الذاتية”. 
واشتركت هذه التنظيمات الإرهابية في تكفير وإقصاء كل من يخالف نهجها وسياستها، والعمل على إضعاف المجتمع وإفقاره وتجهيله، وتغييب سلطة الشعب ولتكون تلك التنظيمات بديلا عنها. 
وكما وظف تنظيم الدولة الإيديولوجيا الدينية المتطرفة لاستقطاب المقاتلين، كذلك قامت قسد على فرض أفكار زعيمها أوجلان. 
واعتمد الاثنان على تجنيد الأطفال والنساء واستخدامهم في العمليات الإرهابية والاستخباراتية. 
إن الأسلوب الذي انتهجه الحراك الشعبي في مدينة منبج في التعبير عن مطالبه المحقة يعتبر تجربة فذة مليئة بالرمزية الحضارية، وإن هذه التجربة الفريدة هي جديرة بالاستقراء للوقوف على أهم مكتسباتها ومميزاتها، ولأجل المحافظة عليها وصيانتها من كل المنغصات التي قد تفرغها من محتواها، أو تذهب عنها بريقها السلمي، خاصة مع ظهور تحديات ومتغيرات جديدة قد تؤثر على مسار الحراك وتحيد به عن أسلوبه الذي ارتضاه. 
ولذلك يجب تثمينه لاسترجاع الشعب سيادته وحقه في إدارة بلده وبداية عهد جديد من البناء والوعي والفاعلية المجتمعية والتحرر من المحتل، ومن خلال تتبع فعاليات الحراك الشعبي نجده يرتكز على مجموعة مزايا تمثل نقاط قوة له: 
1- سلمية وحضارية الحراك. 
2- التنظيم العفوي للحراك. 
3- استمرارية الحراك ومعقولية مطالبه. 
4- عدم تأطير الحراك وتمثيله من أي جهة. 
وهذه أهم نقطة في الحراك الشعبي في منبج ففكرة تأطيرة وتزعمه قد تفضي إلى إجهاضه واختراقه في ظل غياب الثقة بين الشعب وسلطات قسد، بالأخص أن الشعب قد جرب أساليبها في شراء الذمم وخلق الزعامات ومشايخ العشائر الموالين لها. 
نقاط القوة في الحراك الشعبي في مدينة منبج 
تبقى مرتبطة بالاستجابة للمطالب وإيجاد الآلية الكفيلة بمتابعة تحقيق بقية الأهداف وتنظيم الحراك والعمل على رسم خريطة سياسية للخلاص من احتلال قسد، والحفاظ على مكتسبات الحراك الشعبي ودرء أي محاولة لتشويه أو الالتفات عليها أو إجهاضه من خلال القمع الذي تمارسه قوات قسد وتخوف أهل منبج من انزلاق أمني يَلجُم حراكهم، بعدما بدأت مظاهر العنف واستخدام الرصاص الحي ضده، ويبدو من خلال ما يحدث على أرض منبج أن هناك طرفا في معادلة الأحداث يحاول عبثا خلط الأوراق ونظام الأسد بالتعاون مع قسد في قفص الاتهام. 
لقد حرصت سلطات قسد وإعلامها المنحاز على تشويه صورة الحراك من يومه الأول، وإظهاره وكأنه يقاد من ثلة مخربين تريد الضرر بديمقراطيتها وأنه مدعوم من جهات خارجية من أجل تنفيذ أجندة هدامة، وسرعان ما فضحت كل تلك الادعاءات أمام براءة الحراك ومصداقيته، وحرص أصحاب المصالح وشيوخ العشائر الموالين لسلطات قسد على أن يركبوا موجة هذا الحراك الشعبي لكن رسالة جماهير الحراك الشعبي كانت واضحة وحازمة منذ البداية، “إنكم أيها الانتفاعيون لم تفلحوا في تأمين مطالبنا والدفاع عن حقوقنا، ولن نسمح لكم اليوم أن ترتقوا على دمائنا ثانية لتتمسكوا بمنافعكم الشخصية على حساب حرية بلدنا”. 

كاتب سوري